الأحد، 29 أغسطس 2010

مشكل الصحراء.. الصراع ثنائي والخسارة جماعية

مشكل الصحراء.. الصراع ثنائي والخسارة جماعية

لا يكاد أحد يشك في أنّ قطبي "النزاع" على الصحراء "الغربية أو المغربية حسب منظور كل طرف" الأساسيين هما المغرب والجزائر وأن سكان "أو شعب" ذلك الإقليم ليسوا سوى ورقة بيد هذا الطرف أو ذاك يحاول من خلالهم إثبات طرحه للمسألة وتمرير منظوره بخصوصها.

ويعرف الجميع كارثية ذلك الصراع على البلدين وشعبيهما وتعطيل قنوات التواصل الطبيعي بينهما، إلا أن الخسارة الكبرى تجنيها شعوب المنطقة ككل بدولها الخمس، حيث يعطل الصراع على الصحراء كل تقدم فعلي باتجاه بناء اتحاد مغاربي فاعل وذي أثر ملموس على حياة شعوبه، اتحاد يستجيب لمنطق الأشياء تاريخا وجغرافيا ومصلحة اقتصادية مشتركة.

وبينما يتمترس كل من المغرب والجزائر خلف مواقفه ويعرض مبرراته مرارا وتكرارا، لا يبدو "المجتمع الدولي ممثلا بالأمم المتحدة على عجلة من أمر حل القضية. ولا يستبعد أن تكون إرادات دول أجنبية خلف ذلك باعتبار حل ذلك المشكل يعني انفتاح الطريق أمام بناء مغرب عربي قوي وفاعل وند لتكتلات كبيرة في العالم.

وإذ تعتبر "جبهة الصحراء" عمليا جبهة باردة بين المغرب والجزائر ينتفي فيها الاحتكاك العسكري، فإنها ساخنة جدا على صعيد سياسي ديبلوماسي وخصوصا إعلامي.

وجاء اتهام الملك المغربي أخيرا للجزائر في ذكرى مرور 11 عاماً على توليه العرش، بـتنفيذ "مناورات يائسة،"بهدف إجهاض مشروع الرباط لمعالجة قضية الصحراء الغربية عبر مقترح الحكم الذاتى، ليذكر بحدة الصراع على مستوى سياسي.

ولفت تحليل لوكالة قدس برس نشر حديثا إلى أن "الحروب الإعلامية" التي تخوضها المغرب والجزائر "تؤشر في اتجاه تزايد الاحتقان بين البلدين. وعلاوة على ذلك، فإن المعارك الإعلامية توضح أن التصريحات المتعلقة بقضية الصحراء والمداولات بشأنها في أي محفل دولي سرعان ما تتحول إلى مادة للتجاذب و"الاستقطاب" الحاد بين الأجهزة الإعلامية في البلدين.

وقبل فترة نقلت كل من وكالة الأنباء المغربية، ووكالة الأنباء الجزائرية، التصريحات نفسها التي أدلى بها وزير الخارجية الإسباني إنخيل موراتينوس، إلا أن الوكالة الجزائرية اعتبرت في تعليقاتها أن تصريحات رئيس الدبلوماسية الإسبانية تكشف استمرار اعتبار إسبانيا للمغرب بلدا محتلا للصحراء، ومن ثم تدعم "حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره"، مؤكدة على التفاهم الجزائري الإسباني حول القضية.

أما في المغرب فإن الخبر نشر بشكل مغاير تماما، حيث أكدت المنابر الإعلامية الحزبية والرسمية المغربية أن التصريحات الإسبانية الرسمية تؤيد المواقف المغربية، وتدعو إلى حل سياسي متفاوض بشأنه بين الأطراف المعنية، بما فيها الجزائر، وأن إسبانيا من خلال مواقفها الأخيرة تساند المغرب، وترنو لتعميق علاقات التعاون مع جارتها الجنوبية.

وتتعدد قراءات وسائل الإعلام وخصوصا الرسمية في كل من الرباط والجزائر للحدث ذاته، حيث يشعر مواطنو كل بلد أن بلدهم "انتصر" في محطة ما، مما يجعل البحث عن الطرف "المهزوم" يقتضي الخروج من المنطقة، والتوجه إلى مصادر الخبر.

وتكرر نفس التناقض على مستوى تسويق الأخبار الدولية المتعلقة بالنزاع بين البلدين في المنطقة، في أكثر من مناسبة ومحطة، فعندما صوتت اللجنة الرابعة المكلفة بتصفية الاستعمار ضد مشروع جزائري بخصوص الصحراء الغربية، ساد في الضفتين خطاب احتفالي بالحدث، وكل بلد يؤكد أنه كسب معركة دبلوماسية بهذا القرار.

فالمغرب اعتبر أن التصويت ضد المشروع الجزائري كان "صفعة أخرى للجزائر وربيبتها البوليساريو"، كما يحلو للخطاب المغربي أن يصفها، مفسرا ذلك، بأن امتناع الدول الأوربية عن التصويت للقرار، الذي لم تصوت عليه إلا الجزائر "وأذنابها في إفريقيا"، يعتبر فشلا للدبلوماسية الجزائرية، في إقناع الدول الأوروبية بأطروحتها، مما أدى إلى خروج المشروع الجزائري من هيئة الأمم المتحدة، رغم أنه وجد طريقه إلى اللجنة الرابعة المكلفة بتصفية الاستعمار، تحت ضغوط جزائرية قوية.

وفي المقابل ساد نفس الشعور بـ"الانتصار" الأخبار القادمة من الجزائر التي اعتبرت دخول المشروع إلى اللجنة هو اعتراف دولي بـ"عدالة قضية الشعب الصحراوي المحتل"، معتزة بعدد من الدول التي صوتت لصالح المشروع، في حين أن البقية امتنعت عن التصويت ولم تصوت ضده، كما قالت المصادر الإعلامية الجزائرية.

إلى ذلك صدر قرار من مجلس الأمن الدولي يقضي بتمديد مهمة البعثة الأممية في الصحراء الغربية المعروفة باسم "المينورسو" لستة أشهر إضافية، ووجد هذا الخبر طريقه إلى صدر الصفحات الأولى في المنابر الإعلامية المغربية الرسمية، التي أرفقته بتصريح السفير المغربي في الأمم المتحدة محمد بنونة، الذي اعتبر أن مجلس الأمن، ومن خلال قراره ذاك، "يطلب بوضوح من الأطراف ومن دول المنطقة التقدم نحو حل سياسي، والبحث بالتالي عن بديل لخطة بيكر الثانية"، مضيفا في تصريح لوكالة الانباء المغربية الرسمية، أن المأزق الحالي لقضية الصحراء نجم عن المواقف، التي تعذر التوفيق بينها بخصوص خطة بيكر الثانية.

وقال "إننا نعرف كما ذكر بذلك الأمين العام في تقريره، أن المأزق الحالي نجم عن المواقف التي تعذر التوفيق بينها بخصوص خطة بيكر الثانية"، مشيرا إلى أنه "لهذا السبب، طلب مجلس الأمن بوضوح من الطرفين، ومن دول المنطقة، التعاون مع الأمم المتحدة، والبحث عن بديل لهذه الخطة".

وأضاف أن "الأمر يتعلق بتحقيق تقدم في تعاون وثيق مع الأمين العام وممثله الشخصي، من أجل التوصل إلى حل سياسي توافقي مقبول من لدن الطرفين"، مشددا على ضرورة أن يأخذ هذا الحل بعين الاعتبار حق المغرب غير القابل للتصرف في الحفاظ على وحدته الترابية، كما من شأنه أن يتيح للسكان تدبير شؤونهم المحلية، من خلال مؤسسات منتخبة ديمقراطيا، من طرف جميع السكان والسكان السابقين للصحراء المغربية".

واعتبرت الخطابات الحزبية المغربية القرار دليلا جديدا على وجود "اتجاه نحو دفن خطة بيكر الثانية، والبحث عن بديل مقبول"، كما نشرت صحيفة "العلم" المغربية. في المقابل رحبت الجزائر بنفس القرار، وبنفس النبرة الاحتفالية، حيث نشرت وكالة الأنباء الجزائرية قرار مجلس الأمن القاضي بتمديد مهمة "المينورسو"، مضيفة جملة إلى نص القرار، الذي نشرته وكالة الأنباء المغربية، وهي أن مجلس الأمن يعلن مجددا "إرادته في مساعدة الطرفين على التوصل إلى حل نهائي وعادل ودائم، يسمح للشعب الصحراوي بتقرير مصيره، طبقا لمبادئ الشرعية الدولية، المتضمنة في ميثاق الأمم المتحدة".

وفي حين اعتبر المغرب أن القرار يعني ضرورة البحث عن حل بديل لخطة بيكر الثانية، التي رفضها المغرب ودافعت عنها الجزائر. أكدت وكالة الأنباء الجزائرية أن تمسك مجلس الأمن بالمذكرة رقم 1495 "2003" يعني "دعمه القوي لمخطط السلام الذي اقترحه جيمس بيكر، من أجل تقرير مصير الشعب الصحراوي، كونه الحل السياسي الأمثل لتسوية مسألة الصحراء الغربية، ويطلب من الطرفين العمل على قبول وتطبيق هذا المخطط وكذا لائحته رقم 1541 "2004" التي أكد فيها دعمه لمخطط بيكر".

كما نشرت تصريحات السفير الجزائري الدائم في الأمم المتحدة عبد الله بعلي، الذي قال إن "المصادقة على هذه اللائحة بإجماع أعضاء مجلس الأمن يعد انتصارا جديدا للقضية الصحراوية"، مشيرا إلى أن هذه اللائحة تندرج في إطار مبادئ الأمم المتحدة فيما يخص تصفية الاستعمار، بما أن مجلس الأمن أكد في لائحته المصادق عليها أن ممارسة الشعب الصحراوي لحقه في تقرير المصير يشكل الشرط الأساسي لتسوية عادلة ونهائية لمسألة الصحراء الغربية.

إن مثل هذا التوظيف السياسي والإعلامي الفج والبدائي والمجافي للمنطق يعطي من جهة مؤشرا على أن أهواء ومنازع وعقدا تقف خلف مشكل الصحراء أكثر مما تحركه مكاسب حقيقية يتم السعي للحصول عليها، ويؤشر من جهة ثانية إلى أن الحل ما يزال بعيدا حيث لم يعد أحد يشك في أن بعض أصحاب المصالح يدفعون باتجاه إبقاء الصراع مفتوحا، ربما خدمة لأجندات خارجية، ولكن أيضا إمعانا في الصلف والمكابرة، حيث لا يستبعد ملاحظون وجود عقلاء في كل المغرب والجزائر يرغبون في إنهاء هذا الصراع المفتعل لكن هؤلاء واقعون تحت سطوة دوائر عسكرية نافذة تعمل على كتم أصواتهم ليستمر الصراع ثنائيا ولتستمر الخسائر مغاربية جماعية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق