الاثنين، 23 أغسطس 2010

محاكمة المسؤولين في المغرب.. هل هي بداية التطبيق الفعلي للمفهوم الجديد للسلطة؟

محاكمة المسؤولين في المغرب.. هل هي بداية التطبيق الفعلي للمفهوم الجديد للسلطة؟PM


'القانون فوق أثينا'
أفلاطون
إحدى عشرة سنة من العهد الجديد، كانت كافية لتظهر الملامح الكبرى لمغرب جديد حدد اختياراته بوضوح، وما تزامن احتفالات عيد العرش بمحاكمة مسؤولين من مختلف المصالح العمومية إلا رسالة واضحة على أن المفهوم الجديد للسلطة لم يكن مجرد شعار للاستهلاك السريع، إنه شعور جديد كليا على المواطن المغربي أن يرى بأم عينيه من كانوا يهينونه ويبتزونه يطالبون هم أيضا بالمغفرة ويستعطفون جلالة الملك، لأن المواطن المغربي ألف لعقود أن البسطاء فقط هم من يستعطفون ويتوسلون من هب ودب في الإدارة المغربية للحصول على حقوقهم القانونية، أما مسؤولوه فهم محميون بأشياء خارجة على القانون، وقد بينت تجارب العالم المتمدن أنه بقدر ما تتم صيانة القانون من المتلاعبين والانتهازيين والفاسدين بقدر ما تزداد مساهمة الناس في الشؤون العامة بفعالية، وبالتالي تتقدم التنمية المستدامة ويتحقق الازدهار، بتكاليف أقل، فإذا كان المغاربة لم يصوتوا في 2007 فلأنهم يرون في الناخبين مجرد مرشحين للحماية من القانون لا غير..
غير أن الفرحة والسرور المرافقين لهذه المستجدات لا ينبغي أن ينسيانا حقيقة أن حماية القانون تتم بالقانون أيضا، بمعنى ينبغي الحذر من توظيف القانون لتصفية الحسابات بين لوبيات الاقتصاد والسياسة والإدارة كما جرى إبان الصدر الأعظم البصري، وكل المسؤولية ملقاة اليوم على القضاء، لأن تاريخ المغرب الحديث أعطانا أدلة على أن وجود القانون الجيد والعادل غير كاف في غياب المؤسسات والأجهزة القضائية الجيدة، ولذلك يعتبر وجود القضاء بهذا المعنى شرطا ضروريا للحكم الرشيد، الذي تكلم عنه جلالة الملك أكثر من مــــرة، ومن شروط القضاء الجيد هو استقلاله التام عن بقية سلطات الدولة، وعدم تأثره بتوزيع علاقات القوة في المجتمع.
إن احترام القانون لا ينبغي أن يكون موضوع مساومة أو انتقاء أو اختزال، فإما أن نكون دولة قانون أو نكون نظام غاب، فلا مكان لأنصاف الحلول، فعندما تصبح القاعدة هي تزوير محاضر الشرطة والدرك، وتفوت الصفقات العمومية للأهل والأحباب والخلان، ضدا على معايير الشفافية والحكامة، ويتم التغاضي عن انتهاكات القانون كالتهرب الضريبي واستغلال النفوذ والابتزاز، وتصبح الحقوق الأساسية كالتعلم والصحة والسكن والأمن موضوع مساومة عندها نكف أن نكون في دولة حديثة بل نحن في إقطاعية، فشيوع بعض التعديات على القانون هنا وهناك لا يحولها إلى قاعدة مقبولة، ويندرج تحت ذلك كافة أشكال التلاعب بالآليات التنفيذية للقوانين والتهرب من الضرائب ودفع الرشوة للموظف الحكومي بهدف الحصول على منفعة. هذه الحالات وغيرها لا بد أن يتعامل معها القانون بالقسوة المطلوبة، وأن يمتد ذلك حتى للموظف الذي يسهل هذه التجاوزات، أو الذي يستغل قوة القانون للنيل من هيبة الدولة بدلاً من استغلاله لفرض هيبة الدولة.
إن المطلع على قائمة المسؤولين المتهمين في الحسيمة والبيضاء ومراكش والرباط وسلا، سيكتشف أنه لا توجد إدارة مغربية لم تصلها عدوى الفساد والارتشاء واستغلال النفوذ، مما يعني أن هناك العديد من التجاوزات التي حصلت وتحصل، والتي تنتهك من كرامة المواطن وتمس هيبة الدولة باسم الدولة..
إن مبدأ سيادة القانون يفترض من حيث الضرورة استقلال السلطة القضائية في عملها وحمايتها من أي ضغط سياسي أو غير سياسي يمكن أن تتعرض له كما يفترض ضرورة صيانة حق القضاة وحمايتهم قانونيا ودستوريا ومنع التعرض لهم أو التأثير عليهم في مجال عملهم القضائي ذلك انه من المفترض أن تمارس السلطة القضائية عملها بحيادية واستقلالية وإن أي محاولة للتأثير على العمل القضائي هي ضرب من ضروب التعسف وإخلال بميزان العدل والإنصاف مما يفقد القانون هيبته ويجعله عرضة للأخذ والرد والأهواء المختلفة ذلك إن إعمال مبدأ سيادة القانون يبقى رهينا بخضوع العمل القضائي لأحكام القانون وحدها، في جميع القضايا التي تُعرض عليه للبت فيها. وهناك مقولة معروفة وهي أنه: إذا كان العدل أساس الحكم، فإن استقلال القضاء هو أساس العدل.
ولضمان الاستقلال التام للقضاء، وتحصينه في مواجهة الضغوط والمغريات، وضمان نزاهته وفعاليته، لا بد من اعتباره سلطة قائمة بذاتها، وتوفير الشروط المادية والمعنوية الضرورية لحسن سير العمل القضائي، وتوفير الضمانات الكافية لتنفيذ الأحكام والقرارات القضائية في مواجهة كل الجهات التي يحكم بمواجهتها على قدم المساواة لذلك من الضروري أن تقف السلطة القضائية على قدم المساواة مع السلطات الأخرى في الدولة، وعدم تمكين السلطات الأخرى التدخل في شؤونها.. فعلا هذه الخطوات لا يمكن إلا تثمينها في أفق أن يتصالح المواطن المغربي مع الشأن العام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق