الخميس، 19 أغسطس 2010

الصحراء المغربية: سنوات من حرب لا معنى لها

الصحراء المغربية: سنوات من حرب لا معنى لها
الثلاثاء, 17 أغسطس 2010
سلامة كيلة *

قضية الصحراء المغربية ما زالت قائمة بعد عقود من الصراع. وإذا كانت الحرب متوقفة لإفساح المجال للجهود الدولية من أجل إيجاد حل لها، فإنها ما زالت تستهلك مجهودات كبيرة من دون أن يبدو حل في الأفق. فالحرب لم تستطع «تحريرها»، والجهود الدولية تصطدم بتناقض رؤى الأطراف المختلفة، ولم يتبلور حل وسط مرضٍ للطرفين المتصارعين، المملكة المغربية وجبهة البوليساريو، ولا يبدو ذلك ممكناً لأن المسألة تتعلق بالاستقلال أو الوحدة. وإذا كان من الطبيعي أن يتمسك النظام المغربي بالصحراء، خصوصاً أن «الوطنية المغربية» تشكلت على هذا الأساس، وأن النظام لا يقبل أن يوسع من جبهة الجزائر التي تحاصره وهو في صراع مستمر مع النظام هناك، ولهذا لن يقبل بأكثر من حل يقوم على أساس «الحكم الذاتي»، فإن استراتيجية جبهة البوليساريو قامت على أساس خاطئ كان يوصل إلى حرب لا نهاية لها، وبالتالي أصبحت جزءاً من استراتيجيات القوى الإقليمية في الصراع في ما بينها، ولم توصل إلى تحقيق الاستقلال، ولا يبدو أنها سوف توصل. فإذا تجاوزنا صحة المطالبة بالاستقلال في الصحراء، سواء تحت ذريعة رفض النظام الملكي أو حق تقرير المصير (الذي يستخدم هنا في شكل خاطئ تماماً لأن الصحراء ليست أمة، وهي جزء من المغرب العربي)، فإن استراتيجية الصراع التي قامت على أساس صراع «شعب الصحراء» ضد النظام الملكي كانت تفرض هذا الشكل الطويل من الحرب من دون نتيجة. فالمدقق في كل الحروب التي خاضتها قوى تدعي تمثيل مجموعة بشرية هي جزء من كيان دولة متشاركة مع شعوب أخرى، كانت نتيجتها الفشل الحتمي، لأن قوة الدولة هنا هي أكبر من قوة هذه المجموعة بالحتم. هذه هي مشكلة الباسك والجيش الجمهوري الإرلندي، ولقد كانت مشكلة أريتيريا قبل أن تتنبه الجبهة الشعبية لهذه المشكلة وتدفع باتجاه توسيع الحرب ضد النظام الإثيوبي لتشمل شعوب إثيوبيا كلها، حيث حققت استقلالها بعد سقوط النظام. وهذه هي مشكلة حزب العمال الكردستاني في تركيا، حيث يقاتل من أجل الاستقلال من دون تنسيق أو توافق مع القوى التركية الأخرى. وهو هنا يخوض حرباً من دون جدوى، وليس من أفق لها. فالصراع هنا هو صراع ضد السلطة التي تكون قادرة على قمع جزء متمرد إذا ما خاض صراعه وحيداً، ولهذا فإن أي انتصار يفترض تطوير صراع كل الشعوب ضد السلطة، وهو الأمر الذي يعني التوافق على الصيغة الممكنة بعد الانتصار.

إن المسألة الجوهرية هنا هي أنه ليس من الممكن تحقيق «تقرير المصير» من دون أن يقوم ذلك على توافق مجمل الشعوب، وعبر النضال المشترك من أجل تغيير النظام، فكيف إذا كانت المسألة لا تتعلق بشعب له سماته الخاصة بل بجزء من شعب لا يحمل سمات تميزه عن كل الشعب المغربي؟ لقد انبنت سياسة جبهة البوليساريو على التناقض مع مطامح الشعب المغربي، وبالتالي من دون تنسيق مع قواه، وخيضت الحرب كحرب استقلال من قوة محتلة هي النظام المغربي. ربما كان الميل العام الذي حكم القوى الوطنية المغربية هو الذي فرض ذلك، حيث كان واضحاً تمسكها بالصحراء كجزء من أرض المغرب التي ناضلت من أجل تحقيق استقلالها من فرنسا واسبانيا. وبالتالي كانت هي كذلك في تناقض مع ميل البوليساريو. وهو الوضع الذي فرض «تجميد» الصراع بين هذه القوى والنظام الملكي، أو تشتيته، انطلاقاً من التركيز على قضية الصراع من أجل أن تبقى الصحراء جزءاً من المغرب. لكنه فرض تحوّل البوليساريو إلى ورقة بيد النظام في الجزائر في إطار الصراع المغاربي. وربما ما زلنا نعيش هذا الوضع، حيث ما زالت قضية الصحراء مجال انشداد واختلافات في المغرب، كما ما زالت تستهلك مجهوداً كبيراً من دون أفق لحل ممكن، على رغم الدعم الدولي الذي حصلت عليه جبهة البوليساريو.

إن الأساس هنا هو أن استقلال الصحراء ليس ممكناً، حتى وكل العالم يدعم جبهة البوليساريو ويعترف بها كدولة، من دون تغيير حقيقي في المغرب. وبالتالي فإن الاستراتيجية الممكنة هنا هي التوافق مع القوى الوطنية المغربية، فهذا ما يفتح الأفق لتحقيق التغيير. هذه هي المسألة الجوهرية التي تخرج الصراع من طابعه العبثي، وتسمح بتحويله إلى صراع حقيقي يمكن أن يفضي إلى تغيير يطمح إليه الشعب المغربي. هنا يرتبط تغيير مجرى الصراع القائم على مدى قناعة جبهة البوليساريو بأن استراتيجيتها الراهنة خاطئة، وأنها لن تستطيع تحصيل «تقرير المصير» ضمن سياسة تعتمد على الصراع وحيدة ضد النظام في المغرب، ومن ثم أن خروجها من هذا المأزق لا يتحقق سوى من خلال تحويل الاستراتيجية بما يجعلها تنبني على التوافق مع القوى الوطنية المغربية.

لكن إذا كان المطلوب هو التوافق مع تلك القوى، وتحقيق التغيير، فما الغرض من تحقيق استقلال الصحراء إذن؟ هل من ضرورة حينها للاستقلال؟ فهل الصراع هو مع النظام المغربي أو مع الشعب؟ وهل مطمح الاستقلال يؤدي إلى تقدم شعب الصحراء وبقائه جزءاً من المغرب يمنع ذلك؟ إن تاريخية المسألة والطابع البشري الواحد لكل المنطقة يفرض ألا يكون الاستقلال هو الهدف، لأن ذلك يعني استمرار الحرب من دون جدوى، وكذلك استمرار النظام في المغرب. بينما يجب إنهاض قوى تطرح بديلاً مختلفاً لكل المغرب العربي. هذه هي المسألة الأهم والأجدى. لا شك في أن حرباً عبثية استمرت طيلة العقود الماضية، قامت على استراتيجية خاطئة، شوشت على النضال في المغرب، وفي المغرب العربي عموماً، من دون أن يكون لها أفق الانتصار كذلك.

* كاتب سوري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق