الثلاثاء، 21 سبتمبر 2010

المخطط الأخطر


رشيد نيني -

من يتأمل حال وزير المالية وهو يستعد للطواف حول بنوك العالم من أجل اقتراض الملايير لترقيع ميزانيته السنوية الجديدة، يكاد يخلط المغرب بذلك الجزار الذي رغم توفره على اللحم في دكانه فإنه يتعشى باللفت.
والمغرب ليس دولة فقيرة كما يبدو ظاهريا، بل نحن أغنياء جدا، وربما سنصبح بعد سنوات قليلة إحدى الدول التي يتوقف عليها المصير الغذائي للكرة للأرضية بأسرها. كيف ذلك يا ترى؟
الجميع يعرف تقريبا أن المغرب هو أول مصدر للفوسفاط في العالم. وهذا الدرس علمونا إياه في مدارس الابتدائي منذ كنا صغارا. لكن القلة القليلة فقط من المغاربة تعرف أن احتياطي المغرب من الإنتاج العالمي للفوسفاط يصل إلى ثمانين في المائة، أي أن عشرة في المائة فقط من الفوسفاط توجد خارج المغرب موزعة على العالم. ومن يقول الفوسفاط يقول مواد التخصيب الفلاحية المستخلصة من الفوسفاط، والتي بدونها لا يمكن للإنتاج الفلاحي أن يكون.
بمعنى آخر، فالمغرب ينتج الفوسفاط الذي منه يتم استخلاص مواد التخصيب الفلاحية الضرورية للمحافظة على الأمن الغذائي العالمي. وبدون فوسفاط ليست هناك مواد تخصيب، وبدون مواد تخصيب ليس هناك إنتاج فلاحي، وبدون إنتاج فلاحي مرحبا بالمجاعة وما تتسبب فيه من حروب وفوضى وكوارث.
هذه الخلاصة انتبه إليها الجزائري الإسباني الذي سينظم في مراكش الدورة المقبلة من World Economic Forum 2010 في الفترة الممتدة ما بين 26 و28 أكتوبر المقبل، وهو نفسه الجزائري الذي ربح على حساب المؤسسات العمومية المغربية أموالا طائلة بمناسبة إعداده لمؤتمر «دافوس» الذي دفع الفقراء المغاربة ثمن أكل وشراب أثرياء العالم الذين حلوا ضيوفا عليه.
ولأن الأخ الجزائري الإسباني، الذي ظل يطرق أبواب المؤسسات العمومية المغربية لتمويل مؤتمره بمنح تصل إلى مئات الملايين، يعرف أهمية هذه الثروة العظيمة التي يجلس عليها المغرب، فقد دس محورا في المؤتمر حول الفوسفاط قدم له كالتالي: «نظرا إلى أسباب لها علاقة بالأمن الغذائي، فإن الفوسفاط سيصبح، بلا شك، أحد المعادن الأكثر أهمية خلال القرن الواحد والعشرين. ومع ذلك، لا توجد هناك مؤسسة دولية تهتم بتدبير هذا المعدن النفيس، عكس ما يحدث مع موارد أخرى استراتيجية». قبل أن ينتهي صاحبنا إلى طرح السؤال الخطير المصيري: «هل الميكانيزمات التسويقية الحالية للفوسفاط بوسعها أن تضمن استعمالا وتخزينا دائما لهذه المادة».
السؤال هنا ليس بريئا تماما، خصوصا إذا عرفنا أن الحرب الدائرة مؤخرا ضد المغرب في ملف الصحراء من طرف الجزائر تستهدف ضربه في القلب النابض لاقتصاده الوطني، أي الفوسفاط. ومن أجل عرقلة عمل هذه الآلة الاقتصادية الجبارة التي ستجعل من المغرب أحد المخاطبين الاقتصاديين الأساسيين في العالم، وضعت الدبلوماسية الجزائرية كل إمكانياتها المالية رهن إشارة لوبي قوي في أمريكا وأوربا من أجل استعمال ورقة حقوق الإنسان في الصحراء لإحراج الشركات العالمية التي تتعامل مع المغرب في مجال الفوسفاط، ودفعها إلى مقاطعته تجاريا بحجة أن الفوسفاط الذي يبيعها المغرب إياه مستخرج من الصحراء التي يحتلها. ولإنجاح حملتها المنظمة مولت الجزائر مكاتب دراسات في السويد وأستراليا لإنجاز بحوث موجهة حول الفوسفاط تقول خلاصتها إن الاحتياطي العالمي المتبقي حاليا لم يعد يتجاوز أربعين سنة في أحسن الأحوال، وإن فترة تراجع الإنتاج، أو ما يسمونه
le pic du phosphate، قد بدأ منذ 1989، وإن النسبة الكبرى من الفوسفاط الموجود بالمغرب توجد في الصحراء. ولذلك يجب الدفع في اتجاه وضع مؤسسة مستقلة شبيهة بمؤسسة «الأوبيب»، التي تتحكم في تدبير البترول، يعهد إليها بتدبير الفوسفاط في الصحراء.
هنا نصل إلى الخلفيات السياسية الحقيقية للسؤال الاستنكاري الذي سيطرحه الجزائري الإسباني الذي ينظم «المنتدى الاقتصادي العالمي» بمراكش خلال أكتوبر القادم. والمصيبة أن هذه الجلسة التي سيطرح فيها هذا السؤال سيترأسها سعد العلمي، الرئيس المدير العام لصندوق الإيداع والتدبير، إحدى المؤسسات الرئيسية المساهمة في ميزانية هذا المؤتمر. يعني أن الجزائر ستنجح في اختراق المغرب من الداخل، وفوق هذا وذاك ستنتج في هذه المهمة بفضل أموال دافعي الضرائب المغاربة.
وهكذا ستنجح الجزائر في الترويج من مراكش لفكرتها التي تدور حول التفكير في إسناد تدبير تخزين وتسويق الفوسفاط إلى مؤسسة مستقلة، وبحضور ورعاية صندوق الإيداع والتدبير، إحدى المؤسسات الراعية للمؤتمر.
وهكذا، عوض أن يبادر المغرب إلى تقديم الحقائق العلمية حول ثروته المعدنية الثمينة، فإنه يمول المؤتمرات الدولية التي تدس فيها الجزائر السم في الدسم وتقحم في جلساتها محاور تحرض المنتظم الدولي على فرض الوصاية على فوسفاطه بحجة الحرص على الأمن الغذائي العالمي.
ولعل المغرب مدعو اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى أن يشرح للعالم أن الدراسات العلمية الموجهة التي مولتها الجزائر في أستراليا والسويد، والتي تحاول نتائجها أن تقنع المنتظم الدولي بأن أكبر احتياطي من الفوسفاط يوجد في الصحراء، كلها مبنية على الرغبة في منع المغرب من تطوير استثماراته الفوسفاطية حتى لا يصبح رقما صعبا في المعادلة الدولية، مثلما هي الجزائر بفضل الغاز.
ولذلك، فعوض تمويل المؤسسات العمومية المغربية لمؤتمرات تخدم مصلحة خصومنا، فالأجدر بها تمويل مؤتمرات علمية تشرح للمنتظم الدولي أن الفوسفاط الذي يستخرجه المكتب الشريف للفوسفاط من الصحراء لا يشكل سوى خمسة في المائة من مجموع الإنتاج الوطني من هذه المادة، وأن 95 في المائة من احتياطي الفوسفاط الذي يتوفر عليه المغرب يوجد في الشمال وليس في الجنوب، وأن احتياطي الفوسفاط المتبقي في المغرب يقدر بمئات السنين وليس بأربعين سنة كما تقول مكاتب الدراسات التي تمولها الجزائر، وأن الهدف الحقيقي من استغلال مناجم الفوسفاط في الصحراء ليس استنزاف خيرات المنطقة وإنما الهدف هو المحافظة على مناصب الشغل هناك، رغم أن أرباح البيع لا تغطي حتى تكاليف الإنتاج. ثم إن عائدات الفوسفاط الذي يستخرجه المغرب من الصحراء لا يستفيد منها الشمال كما تقول الدعاية الجزائرية، وإنما يتم إنفاقها على المنطقة بمقتضى التزام موقع بين المغرب والشركات العالمية التي يتعامل معها تجاريا، ويحمل شارة أشهر مكتب محاماة أمريكي.
جنرالات الجزائر يعرفون أكثر من أي مسؤول مغربي أهمية الفوسفاط بالنسبة إلى الأمن الغذائي العالمي، ولذلك فكل جهدهم منصب اليوم على إشاعة الأكاذيب حول توفر الصحراء على النصيب الأكبر من الاحتياطي العالمي للفوسفاط، وأيضا إشاعة المخاوف بشأن قرب انقراض هذه المادة الحيوية للاستقرار العالمي. والهدف، طبعا، هو دفع المنتظم الدولي إلى إنشاء مؤسسة دولية مستقلة للتحكم في الفوسفاط.
أي بعبارة أخرى أوضح، استعمال ورقة حقوق الإنسان في الصحراء من أجل مصادرة هذه الثروة من المغرب لصالح مؤسسة دولية بحجة الحرص على الاستقرار العالمي.
ولذلك، فالمخطط الجزائري يسعى إلى إثارة الفتنة في الأقاليم الصحراوية ودفع انفصاليي الداخل إلى القيام بأعمال شغب. وعندما تشتعل منطقة من مناطق العالم، فإن ضوءا أحمر يشتعل في خريطة كبيرة موضوعة في أكبر قاعة وأهمها في العالم على الإطلاق. طبعا، لا نتحدث عن قاعة مجلس الأمن، وإنما عن قاعة بورصة «وينيبيغ» بولاية «مانيطوبا» الكندية حيث توجد أكبر بورصة في العالم خاصة بـ... القمح.
في هذه البورصة، التي تتحكم في خارطة الخبز العالمية، يشتغل خبراء دوليون، مهمتهم الأساسية مراقبة خارطة النزاعات الإقليمية والحروب الأهلية عبر العالم. وكلما اندلعت مشاكل اجتماعية مرتبطة بالفقر أو الجوع أو السياسة، ترتفع أن تنخفض أسهم القمح والذرة التي تتحكم فيها أربع شركات عالمية كبرى.
هذه الشركات الكبرى، التي تراقب درجة حرارة العالم على مدار الساعة داخل كواليس بورصة «وينيبيغ»، لديها حساسية كبيرة تجاه كل الأخبار التي تتعلق بالفوسفاط وإنتاجه. فبفضل الفوسفاط ومشتقاته، أي البوطاس والآزوط، يتم تخصيب آلاف الهكتارات من الأراضي الفلاحية في أمريكا وكندا والتي تنتج نصف احتياطي العالم من القمح والذرة والصوجا.
وهذه الشركات العالمية، التي تتحكم في خبز ساكني الكرة الأرضية، تسعى اليوم بكل الوسائل إلى إخضاع شعوب العالم لسيطرتها عبر فرض زراعة الفسائل المعدلة جينيا، والتي بمجرد استعمالها مرة واحدة يصبح الفلاحون رهينة إلى الأبد لدى الشركة المنتجة لهذه الفسائل والتي تصبح متحكمة في مصيرهم وحجم إنتاجهم وصادراتهم.
فهل يدرك المغرب، إذن، قيمة الكنز الثمين الذي يوجد تحت أقدامه؟ وهل يفهم، أخيرا، أهمية الحرص على التدبير الجيد والعقلاني لهذه الثروة لضمان موقع حيوي وهام في عالم الغد، وتجنب تكرار الخطأ الجسيم الذي وقع فيه سنوات السبعينيات عندما عرف الفوسفاط عصره الذهبي؟
ذلك ما سنحاول شرحه في عدد الغد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق